المكتبة الاستشرافية
مقالات

استشراف المستقبل (2) بين التنظير والتخطيط د.حسام حاضري

بين التنظير والتخطيط

تعودنا في مجتمعاتنا العربية تلقف تجارب الغرب – كونه منبع التطور والحداثة – ونظرياته واعتمادها ومحاولة تطبيقها بأسلوب القص واللصق باعتبارها قوانين جازمة أثبتت نجاعتها ولايمكن المس بها، وفي واقع الأمر إن هذه العلوم والقوانين هي عبارة عن تجارب للعلماء والباحثين قاموا بتجربتها في مجتمعاتهم ومن ثم اعتمادها بعد أن أفرزت نتائج إيجابية.

 

واستشراف المستقبل كعلم أو تجربة لايختلف عن غيره من التجارب، حتى وإن كان يدل على الأوج الحضاري والانفتاح فيه، حيث لاحت أفقه كتوجه عالمي إبان الحرب العالمية الثانية وبدأت محاولاته بشكل ممنهج في دهاليز المؤسسات الأمريكية التي كانت سباقة من خلال ما يسمى بخلايا الأفكار (Think Tanks) لتسويق الأفكار وصناعة القرار، والنظر إلى الدراسات المستقبلية باعتبارها تصب في مصلحة الدول الكبرى في الهيمنة والاستحواذ على دول العالم فيما بعد.

 

ومع الأسف لايقابل هذا التوجه العالمي الآخذ في التنامي الاهتمام نفسه في الوطن العربي، فمازلنا نعاني غياباً شبه تام للرؤية المستقبلية في معظم مؤسساتنا، وفي كثير من مظاهر حياتنا، بل وفي بنية تفكيرنا أيضاً، ومازلنا ننتظر خلاصة ماسيصل إليه الغرب من تجارب في هذا العلم لنطبقه بحذافيره في مجتمعاتنا.

 

والأسئلة الذي تفرض نفسها هنا: هل يمكن لهذه التجارب أن تحقق نجاحاً في مجتمعنا مماثلاً لذلك النجاح الذي تحققه في مجتمعاتها؟ ومتى سنتحول من طرفٍ متلقٍ إلى طرفٍ مؤثر؟ وكيف سننتقل من قيود التنظير إلى رحاب التخطيط والتغيير؟

 

لعل الإجابة عن هذه التساؤلات تكمن في الإستشراف العلمي للمستقبل العربي وامتلاك خارطة طريق واضحة لهذا المستقبل البعيد، وبعبارة أخرى تحديد ملامح هذا المستقبل المرغوب فيه من جانبنا، وهذه الخارطة تساعدنا في إعادة تشكيل مجتمعاتنا العربية بشكل أكثر مرونة من خلال الرؤى والتصورات، والخطط والإستراتيجيات القائمة على منهجيات علمية وموضوعية مع الأخذ بعين الاعتبار خصوصية البيئة التي نعيش فيها واختلافها عن البيئات الأخرى.

 

ومن هنا، تظهر أهمية التعرف على ركائز ومنطلقات هذا العلم الإستشرافي، وتوسيع دائرة المعرفة به، وبما نرمي إلى تحقيقه من أهداف، وماتتبعه من منهجيات وأساليب للبحث في المستقبل، لاسيما ونحن نعيش الآن في عالم متغير تتسارع فيه وتيرة الابتكارات والاكتشافات في جميع الحقول والميادين، وأصبح التغيير هو سمة حياتنا المعاصرة، وأمام ذلك كله لابدَّ لنا في إحياء الأمل في مستقبل أفضل، واستباق الأزمات لاتخاذ قررات أكثر حكمة في مثل تلك المواقف، فالمستقبل يتشكل من ثلاثة محددات تتمثل في: المتغيرات التاريخية، والحقائق الطبيعية لمعطيات الحاضر واختيارات البشر، وبعض المؤشرات غير المتوقعة، وأن درجة مساهمة أي من المحددات الثلاث تختلف تبعاً للاستعداد والعمل المبكر في الاستشراف.

 

وخاصة القول: إن جوهر نجاحنا في استشراف المستقبل يكمن في الاهتمام المناسب يالتحديات التي ينبغي أن نتأهب لها بشكل استباقي وذلك عبر الأفكار المبدعة الخلاقة البعيدة عن النمطية والتقليد، والبعد عن إنتاج الماضي والتطلع إلى مستقبل فياض بالفرص نؤسس لها من خلال رؤية مستقبلية نسعى إلى إرسائها في بنية العقل العربي.

د.حسام حاضري – مستشار تطوير استراتيجي

المصدر