.دحسام حاضري
مما لاشك فيه أنّ التخطيط الناجح لمستقبل أي منظمة يعتمد اعتماداً كلياً على توفر مقومات أساسية وضرورية تتمثل في الفهم الشامل لاستشراف المستقبل وتحدياته، والتدرب على أدواته ومناهج استشرافه لتكوين رؤىً مستقبلية ثاقبة، وبالتالي فإن عملية استشراف المستقبل لاتهدف إلى إصلاح الماضي ولاتقليص أخطاء الحاضر – وهذا مايعتقد به الكثيرون – وإنما تركز بشكل أساسي على الصورة المثلى للمستقبل بحيث تنفذ على أرضية الواقع من خلال عملية التخطيط، فالتخطيط للمستقبل يتبع الحاضر بالتأكيد، لأن الحاضر أساس مهم لاستشراف المستقبل باعتباره غير مقدرٍ سلفاً بل نحن نصنعه بأعمالنا.
وإذا كانت الخطط الاستراتيجية موجهة للمستقبل فإنها في واقع الأمر تعاني من نقطة ضعف قد تؤثر في كثير من الأحيان على نجاحها واستمرارية تطبيقها, وتتمثل هذه النقطة في المساحة العمياء “Blind Spot” وهي تلك المساحة التي تتحاشى الخطة التفكير فيها أو التعرض لها، وتزيد هذه المساحة بزيادة تحيزات واضع الخطة وشدة نقص معلوماته ومحدودية التجارب التي تعرض لها، وتمثل المساحات العمياء داخل كل خطة استراتيجية ثغرة كبيرة تعمل على إحداث خللٍ كبير فيها، الأمر الذي يؤدي إلى تعثرها أو توقفها، وبالتالي تصبح الخطة الاستراتيجية وبالاً على المنظمة وهدراً في مواردها، فإصلاح الخلل يتطلب العودة إلى الصفر والانطلاق من جديد، والسؤال الذي يمكن أن يطرح هنا: كيف نحصن خططنا الاستراتيجية ونضمن نجاحها واستمراريتها؟
لعلّ الإجابة عن هذا السؤال تكمن ببساطة بالاستشراف الصحيح للمستقبل، والانتقال من التفكير الاستراتيجي إلى الاستشراف الاستراتيجي الذي يمثل مزيجاً بين الاستفادة من الإمكانات المتاحة مع النظرة المستقبلية للوصول إلى الهدف الأسمى (الرؤية المستقبلية)، كما يمثل فرصةً فريدةً لتجاوز ضغوط وتناقضات المدى القريب، ولينطلق في كل العقول وعلى جميع المستويات، الوعي اللازم بضرورة تغيير العادات والسلوك لمواجهة التحولات.
لهذا يجب الاعتماد على كفاءات الخبرة الداخلية، وانتهاز فرصة ممارسة الاستشراف بقصد تجميع الكفاءات التي غالباً ماتكون مشتتةً داخل المنظمة، ويبقى دور المستشار الخارجي محدودٌ قدر الإمكان على أن يجلب معه طريقة العمل والتفتح على الخارج وعدم امتثالية النظرة الجديدة دون أن ينسى أنّ أفضل الأفكار ليست التي نملكها، ولاحتى التي نعطيها، وإنما تلك التي نثيرها.
ويجب على الاستشراف أن يحافظ على حيوية عدم انضباطه الفكري، وأن يمتن صرامة مقارباته، ويمثلُ وجود مناهج مجربة بالنسبة إلى الاستشراف الاستراتيجي مكسباً أساسياً لكون الإرث المجمّع سواءٌ كان ذلك في الاستشراف أو في التحليل الاستراتيجي، يبرز مواطن التقارب والتكامل القوية بين هذه المقاربات، وإمكانية استثارة وسائل التفكير داخل علبة أدوات واحدة، الأمر الذي يمكننا من الاهتداء بشكل أفضل من ذي قبل عندما نصطدم بمشكلة ونفكر في أداة تمكن من مباشرته، ففوضى التفكير لاتكون خلاقةً إلا إذأ كانت منظمة.
إنّ الرؤية الجيدة للمستقبل ترتبط بوضوحها أولاً باعتبارها المحفز الأكبر للاستمرار في السير نحو الهدف رغم الصعوبات الواضحة، واحتوائها على بصيرة وتقديرٍ لكل الاحتمالات والاستعداد للأسوء منها ثانياً مع التحلي بروح التفاؤل والصبر وعدم التعجل في تحقيق الأهداف لأنّ الأهداف الاستراتيجية (بعيدة المدى) لن تتحقق بين ليلةٍ وضحاها، فالاستشراف هو نوع من الفعل الإيجابي الذي قد تتأخر نتائجه ولكنه يساهم في التطوير والإضافة للمنظمة، وهذا مايسمى بدراسة الجدوى التي تعتمد بشكل أساس على تفعيل المعلومات ووضع المقدمات بنتائج تتعلق باحتمالات المستقبل.
وعلى ذلك فالفجوة الاستراتيجية “Strategic gap” أي مدى المسافة التي تفصل عن أهداف النمو من حيث حجمها، هي ربما أقل من فجوة الإنجاز “performance gap” ،لذا فالمهم أن تتكون لنا المردودية المناسبة في المستوى الذي نحن فيه، وإنّ أبرز شرطٍ لازمٍ لسد فجوة الإنجاز هو بالتأكيد اللحاق بفجوة التسيير”Management gab” الأمر الذي يطرح تساؤلاً حول توافق الهياكل والسلوك داخل المنظمة، لأنّ العامل الإنساني والوقت الضروري لتكوين الرجال وتحفيزهم من أهم العوامل التي تحدُّ من نمو المنظمات فالعمل الذي لاهدف له لامعنى له.
والنتيجة التي نصل إليها هي أنّ عملية التخطيط لايمكن أن تحقق النجاح إلا إذا توفرت فيها مجموعة من المقومات الأساسية التي يجب أن تعتمدها المنظمة متمثلة بوضوح الأهداف وتحديدها، ودقة المعلومات واستيفائها لجميع المتطلبات، ومرونة في الخطة مع الإدراك التام بأنها لاتأتي من فراغ بل إنّ هناك عوامل وقيوداً اقتصادية وسياسية واجتماعية تؤثر فيها.
د.حسام حاضري
المصدر
شبكة بيئة أبو ظبي