ماهية الدراسات المستقبلية
( التطور التاريخي للتفكير نحو المستقبل )
يعد التفكير نحو المستقبل نشاطاً مركزياً للأفراد منذ البدء في بناء الحضارات المختلفة. فكما اعتاد جون ماك هيل أن يقول: “الأفراد اتسموا بالإنسانية لحظة أن توجهوا بفكرهم نحو المستقبل، فالمستقبل هو رمز لما نأمر به الحاضر أن يكون وهو في الوقت عينه يمثل المعنى الذي نعطيه للماضي”. إلا أن تاريخ الدراسات المستقبلية يمكن تتبعه منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
وقد تعددت سبل توجه الإنسان بفكره نحو المستقبل على مدار الفترات المتعاقبة تاريخياً، وذلك من حيث الكيفية التي ينظر بها الأفراد إلى مستقبلهم من ناحية، زمن ناحية أخرى من حيث تأثير القيم المعاصرة في كل زمان على وجهات النظر التي تسعى إلى تقديم إطار ما لتفسير المستقبل. فعلى سبيل المثال: قدم أفلاطون رؤيته نحو ما يجب أن يكون عليه المجتمع مستقبلاً مستنداً على فكرة العدالة، فالدولة الفاضلة لدى أفلاطون وصفت من وجهة نظر فيلسوف يتعامل مع سياق اجتماعي وسياسي وحضاري معين. هذه الدولة شكلت بناء على قوام سياسي معين – وبشكل ما – على الماضي الذي افتقد في العصر بموت سقراط وبكل المناقشات والحوارات التي أجراها مع نظرائه والتي حاولوا فيها بناء دولة مثالية. مفهومه عن المستقبل تمثل في شيء ما قد يحدث في المستقبل لكنه ليس بالحاضر في زمانه.
وكان أفلاطون يعتبر المستقبل رؤية لحياة أفضل؛ فكما كتب كورنيش “لقد طور افلاطون مفهوم المجتمع المثالي لتحقيق العدالة المثلى، والتي نطلق عليها نحن الآن اليوتوبيا، ولكن أفلاطون هو من طورها من قبل أن يكون لها اسم يطلق عليها ولا مصطلح يمثلها”.
بينما مدينة الرب عند القديس أوغسطين هي مجتمع يقوم على الحب ويحرض على مجتمع الأفراد القائم على التفاخر. وإن كان أفلاطون رأى أن مدينته لا يمكن قيامها في حاضره؛ فقد أكّد أوغسطين أن مجتمعه المثالي يمكن أن يتحقق واقعياً من خلال القيام بتغييرات هيكلية للمجتمع الذي يعيش فيه.
أما الفيلسوف الإنكليزي توماس مورفي في كتابه “المدينة الفاضلة يوتوبيا” الذي نشر في العام 1516م، فقد صور المجتمع المستقبلي الذي تتحقق فيه المثالية بالمجتمع الذي يتبع فيه الأفراد مجتمعاتهم، وتبلورت أفكاره حول ملكية الأفراد المشتركة لموارد المجتمع. اليوتوبيا لديه تمثلت في جزيرة تخيلية تقوم على التسامح وروح التواصل، وهي قيم ومفاهيم شديدة الاختلاف عن السياق الاجتماعي والسياسي الذي عاصره وعاش فيه.
وإذا نظرنا إلى كتاب الفيلسوف الفرنسي فرانسيس بيكو “أطلنتس الجديدة” الذي نشر العام 1672م، سنجد أنه وضع فيه تصوراً لمجتمع مثالي معتمداً على قيمة عظمة الإنسان، وهو بذلك يعارض رؤية توماس مور التي تخلق من الفرد مجرد تابع للمجتمع، فبيكو يعتمد بشكل كلي على الفرد والتطور العلمي الذي يحقق حالة مستمرة غير منتهية من التقدم. ويعدّ هذا الكتاب نموذجاً للاستشراف العلمي – في التفكير المستقبلي – الذي يمكن أن يُرى على أنه كان الملهم لكل نماذج استقراء المستقبل العلمية والتكنولوجية في القرن التاسع عشر.
وإذا مضينا قدماً سنجد أن ماركس قد قدم نموذجاً متكاملاً يضع فيه الحلول المثالية لكل المشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي واجهت الأفراد في عصره، ناظراً إلى مستقبل مثالي يتحقق من خلال إصلاحات اجتماعية.
هؤلاء الكتاب وغيرهم ممن وضعوا تصور عن الشكل المثالي للمستقبل، لم يسعوا بحثا وراء وضع تعريفات قاطعة حادة لما يقوم به من أنشطة، ولما يضعوه من أفكار تصيغ شكل المستقبل، فالحاجة لوضع مصطلحات ومفاهيم في أزمانهم لم تكن بالأهمية التي برزت في ما بعد. وإنما رؤيتهم كانت تركز بشكل مباشر على الاتصال بثقافتهم وبالتالي مجتمعاتهم. فقد خرجت هذه الرؤى المختلفة للمستقبل المرجو من الهياكل الاجتماعية التي عاشت فيها. وربطت باحتياجات وآمال الأفراد في ذلك الوقت.
في ما بعد اختلفت نظرة الأفراد نحو المستقبل؛ فانتقلوا بعيداً عن التصورات المثالية التي غالباً ما اتسمت بالخداع ولم تستطع أن تقف على أرض الواقع وأن تستمر في تحقيق أفكارها إلى النهاية، إلى مستقبل آخر لا يعتمد على التصورات والأحكام ولكن على الاختيارات والبناء.
ففي الأربعينيات وبانتهاء الحرب العالمية الثانية، سعت البشرية إلى معالجة التغييرات السريعة والترابطة التي تفاجئ العالم بشكل مستمر، وكان سبيلها لذلك محاولة تلمس الأبعاد المستقبلية التي سيؤول إليها المجتمع بشكل خاص والعالم بشكل عام نتيجةً للأفعال والسياسات الحالية، من أجل تجنيب العالم أن يسحق من دون وعي تحت وطأة الأحداث المتفاجئة، ومن هنا جاءت الحاجة الكبرى لدراسات تهتم في المقام الأول بوضع رؤية لمستقبل آمن ينعم بالسلام.
طورت فكرة السعي لتوقع الأحداث خلال تحليل علمي لاتجاهات ومؤشرات التغيير في البداية في الولايات المتحدة الأميركية في أثناء الحرب العالمية الثانية وبعد انتهائها مباشرة. لحق بهم في ما بعد برتراند دو جوفونيل وآخرون في أوروبا، محاولين معالجة الأبعاد الفلسفية والاجتماعية للدراسات المستقبلية، ومؤكدين على أهمية وضع بدائل ممكنة للمستقبل بجانب وضع توقعات مفصَّلة للنتائج البعيدة المدى لأفعال وسياسات معينة. وفي الفترة التي تلت الحرب العالمية الثانية، درس باحثو الدراسات المستقبلية الفرنسيون الأبعادَ السياسية والعلمية من منظور الدراسات المستقبلية.
في النصف الثاني من خمسينيات القرن العشرين، أنشأ جاستون بيرغر مركزًا لدراسات المستقبل المحتمَل، بدأ هذا المصطلح في الانتشار في أوروبا في ذلك الوقت وعرّفه بيرغر على أنه “اتخاذ القرارات بالاعتماد لا على الاحتياجات الفورية فحسب، ولكن كذلك على النتائج الطويلة المدى”. بعد موت بيرغر، أكمل الاقتصادي بيير ماس مجهودات بيرغر في هذا المجال، وكمفوَّض عامّ للخطة التنموية القومية الفرنسية، سعى ماس لبروز نموذج المستقبل المحتمَل في التفكير، مما قاد إلى تبني هذا النموذج في الخطة التنموية القومية لفرنسا العامَ 1985.
في الفترة عينها، قوى بيرتراند دو جوفونيل من مكانة الدراسات المستقبلية من خلال استخدامها في تحليل أنماط القوى، ومناهج الحكم، والاختيارات السياسية. وكانت الركيزة الأساسية التي تقوم عليها كل أفكاره هي قيمة الوقت ببعده الكلّي – الماضي، والحاضر، والمستقبل – والذي في وسعه منفردًا أن يمكّن الفردَ من تأدية دور أساسي في الحياة السياسية. استمر دو جوفونيل في العمل على مجاله البحثي حتّى أنشأ في النهاية الجمعية العالمية للمستقبليات التي أدت دوراً واضحاً في تبني وإنماء أبحاث المستقبليات.
قدمت العديد من الدول الأوروبية إسهامات كبيرة وهامة ساعدت على تطور حقل الدراسات المستقبلية، وخاصة تكوين قاعدة فلسفية له. ففي هولندا، قدّم عالم الاجتماع فْرد بوليك في كتبه صورة المستقبل، ونظرة إلى ميلاد الأبحاث المستقبلية منبثقة من منظور علم المعرفة بين العامَينِ 1966م و1972م، حيث سيطر الجانب السياسي على معظم اهتمامات الدراسات المستقبلية في هولندا.
ويمكننا القول إن أعمال جان تيمبرجن ومجموعته البحثية مَثّلت نقلة في تاريخ تطور أبحاث المستقبليات، خاصة التقرير الذي جُهز لنادي روما المعروف بتقرير ريو. ففي 15 يونيو 1968م تأسس نادي روما من أجل معالجة معضلة سيادة التفكير القصير المدى في الشؤون الدولية، وخاصة المخاوف المتزايدة في شأن الاستهلاك غير المحدود للموارد في ظل عالم يزداد ترابطاً. وفي هذا الإطار؛ قدّم جان تيمبرجن تقرير ريو، الذي وضع فيه رؤيته حول “التنظيم العالمي الجديد”.
في بريطانيا؛ تبنّت وحدة أبحاث علم السياسات في جامعة سيكس حقل أبحاث المستقبليات، وأضفت على البُعد التنبُّـئي أهمية بالغة في معظم توجهاتها البحثية، ما أعطى لهذا الحقل الناشئ دورًا رياديًّا في تلك الفترة، خاصة عند تقديم نماذج نقدية للأنظمة الدولية؛ كما حاولت الوحدة خلق نظرية لأبحاث المستقبليات قائمة بذاتها من خلال مساهمات فريق ينتمي كل فرد فيه إلى الانضباط مغاير عن الآخر.
الدول الاسكندنافية كذلك ساهمت في تطور حقل الدراسات المستقبلية، وقدمت المعاهد والمنظمات البحثية نتائج أبحاثها للحكومات في محاولة لرفع درجة الاهتمام بمثل هذه الأبحاث تدريجياً وبمرور الوقت. في لوكسامبورغ في النمسا، قام المعهد الدولي لتحليل الأنظمة بدور رياديّ في مجال أبحاث المستقبليات في أوروبا كاملة؛ فهذا المعهد الذي كان قد أنشئ بالتعاون العلمي والمالي مع عدد كبير من الأكاديميات الوطنية – خاصة أكاديمية الولايات المتحدة للفنون والعلوم، وأكاديمية العلوم بالاتحاد السوفياتي – سعى لتحليل الأنظمة من خلال أبحاث المستقبليات وأدخل البُعد التنبُّـئي على مختلف المجالات البحثية، وقد برز في دراسة قطاع الطاقة مستخدماً الدراسات المستقبلية.
الدول الاشتراكية السابقة في أوروبا الشرقية لفتت انتباه الباحثين في هذا المجال لمجهوداتها ذات الثقل لتطوير الدراسات المستقبلية. المصطلح المستخدم في هذه الدول قبل سقوط حائط برلين كان التكهنات، والذي اعتبر الدراسات المستقبلية عملية مصيرية تسبق وضع عملية السياسات والخطط. مؤسسات التخطيط الاجتماعي والاقتصادي في دول الكتلة الشرقية وجهت سياستها وفقاً للتنظيمات والعمليات التكنولوجية العلمية الحديثة. وهذا الارتباط كان جليًّا بين التقليد الوضعي وأفكار لينين التي جعلت من مبادئ الشيوعية العلمية قاعدة للتخطيط. فوفقًا لمدرسته الفكرية، التوقع مرحلة لها أولويتها في التخطيط، والتوقع والتخطيط يحتلّان مستويات مختلفة من الموضوعية والتعقيد، ولكنهما بالضرورة مرتبطان. الدول الاشتراكية ركّزت على تحليل العملية العلمية والتكنولوجية، وعلى نتائجها بوصفها عناصر للتطور الاجتماعي لما يحمله المستقبل بداخله من قدر كبير من الإبداع. هذا التوجه تمّ التخلّي عنه نهائياً بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وإن كانت أهميته التاريخية لا يمكن تجاهلها.
أجريت أولى الدراسات المستقبلية في الولايات المتحدة الأميركية لتقديم الاستشارات للوكالات الحكومية والشركات التجارية. ثم انتقلت مثل هذه الدراسات إلى الجامعات والمراكز البحثية المتخصصة بواسطة أفراد مثل جون ماكهيل الذي أجرى مثل هذا النوع من الأبحاث في مركز الدراسات التكاملية الذي كان يديره في جامعة هيوستن، وفي مركز سوني/بافلو بواسطه مَغْدَا ماكهيل. وتجرى الدراسات المستقبلية للأنظمة حالياً بواسطة هارولد لينستون في بورتلاند وبواسطة جميس دايتور في هاواي، وهو الذي أشرك المواطنين المحللين في أبحاثه من خلال تضمين مجهوداتهم في تصميم مستقبلهم الخاص.
وبتنوع وتعدد باحثي الدراسات المستقبلية في الولايات المتحدة وكندا، يمكن تقسيم توجهاتهم بشكل مبدئي كما يلي:
– توجّه تكنولوجيّ: ممثلو هذا التوجه هم هيرمان كان وأولاف هيلمِر وتيودور جوردان، وغيرهم ممن يقومون بإجراء دراسات مستقبلية في مجال التحديث والتطور التكنولوجي.
– توجّه اجتماعي: وروّاد هذا المجال هم آلفن توفلِر وجايمس دايتور ودانيال بيل وجون ماكهيل في الولايات المتحدة، وكيمون فالاسكاكِس في كندا.
– توجّه علميّ: هذه المجموعة تضم باحثي الدراسات المستقبلية الذين قدموا المشاريع المختلفة لنادي روما مثل دينيس دونيلّا مادوز وميهاجو ميساروفيتش، وهم ممن اشتركوا في جماعة التنظيم العالمي في نيويورك، التي يديرها سول ميندولفيتس.
واشترك العديد من الجمعيات العالمية كذلك في تطوير الدراسات المستقبلية. فبالإضافة إلى نادي روما والجمعية العالمية لأبحاث المستقبليات ظهرت في أوروبا جمعيتان عالميتان ينصب مجال اهتمامهما في الأساس على الدراسات المستقبلية. الجمعيتان هما: جمعية البشرية 2000، والاتحاد العالمي للدراسات المستقبلية.
جمعية البشرية 2000: أنشاها روبرت جنك العامَ 1964 في هولندا في المؤتمر الافتتاحي للاتحاد الدولي لنزع السلاح والسلام، ثم انتقلت إلى بروكسيل وتهدف الجمعية إلى دعم وتعزيز الجوانب المختلفة للتنمية البشرية، بداية من تنمية الفرد داخل وبين الجماعات، وصولاً إلى المجتمعات الجديدة في العالم الناشئ، مع إشارة خاصّة إلى ضرورة البناء العقلي والأخلاقي القويم للفرد والمجتمع البشري ككل؛ لذا فقد تعين عليها تشجيع الأساليب البحثية التي محورها مستقبل التنمية البشرية من خلال إجراء ودعم البحوث في مجال تلبية الاحتياجات الأساسية ووضع مبادئ وقوانين تنظم العمليات التنموية لمستقبل الأفراد، وبخاصة النمو النفسي والاجتماعي وأساسية الأفراد والمجتمعات.
ومن أجل اكتشاف أفضل السبل لحل المشاكل التي تعوق التنمية البشرية الخلاقة وتحقيق الذات؛ عملت الجمعية على جمع وتصنيف ونشر وتوزيع المعلومات، وغير ذلك المساعدة في تنظيم المعارض والمؤتمرات والاجتماعات وفرق العمل المعنية مع لجنة التحقيق والاتصال من أي جانب من جوانب التنمية الشخصية والاجتماعية؛ بواسطة الوسائل التعليمية وجميع الوسائل الأخرى المناسبة، ومساعدة الأفراد والجماعات لفهم وممارسة مبادئ التنمية الإبداعية لتحقيق الرفاهية العامة للأسرة البشرية.
وقد قاد ذلك إلى انهماك أعضاء الجمعية بشكل رئيس واستغراقهم في ضرورة وضع رؤية واضحة للمستقبل مؤكدة على تكامل كل أشكال الحياة في عملية التنمية الاجتماعية، ومستخدمة في ذلك الدراسات المستقبلية ذات النتائج البعيدة المدى؛ حيث إن هذه الجمعية كانت تهدف في الأساس إلى وضع خطة تنموية مستقبلية يمكن بحلول العام 2000 أن تحقق رفاهية المجتمع البشري.
الاتحاد العالمي للدراسات المستقبلية: ظهر الاتحاد العالمي للدراسات المستقبلية من الأفكار والأعمال الرائدة للأشخاص مثل إيغور بستسوفيتش (روسيا)، وبيرتراند دو جوفينيل (فرنسا)، يوهان غالتونغ (النرويج)، روبرت (النمسا)، جون ماكهيل (المملكة المتحدة/ الولايات المتحدة الأميركية)، وغيرهم ممن في ستينيات القرن الماضي وضعوا تصوّرًا لمفهوم الدراسات المستقبلية على المستوى العالمي. يقدم الاتحاد العالمي للدراسات المستقبلية منتدى يتمّ فيه تبادل واختبار الرؤى والأفكار والخطط للتفكير الطويل المدى والتفكير المعتمِد على البدائل المتعدّدة باستخدام البصيرة المستقبلية. في البداية ركّز الاتحاد على نشاط أعضائه في الدراسة والتحليل للاحتياجات البشرية في المجتمعات المستقبلية وتدريجيًّا انفتح مجال اهتمامه لينصبَّ على موضوعات مختلفة مثل الهوية الثقافية والاتصالات. حاليًّا يعمل الاتحاد على تطوير القاعدة المعرفية للدراسات المستقبلية من خلال وضع مبادئ ومعايير تجري من خلالها أبحاث مستقبلية أكثر احترافية.
وعلى عكس العديد من المنظمات ذات التوجه المستقبلي التي ترى أنَّ المستقبل يتم تحديده بطريقة منفردة وفقاً للتوجهات الحالية؛ فإن الاتحاد العالميّ لدراسات المستقبلية يشجّع ويعزّز تعدّد الأطروحات المستقبلية من خلال استقراء وتحقيق التوازن بين البدائل المستقبلية المتاحة والحلول المستقبلية المفضلة.
كل من الجمعيتين كان لهما دور بارز في إقامة المؤتمر العالمي الأول لأبحاث المستقبليات الذي أقيم في أوسلو في سبتمبر العامَ 1967م، بالتعاون مع المعهد العالمي لأبحاث السلام في أوسلو، ومقرّه باريس.
وهنا يجب الإشارة إلى أنه ظهر حالياً اهتمام متنامٍ بأبحاث الدراسات المستقبلية في البلدان النامية ومحاولات جادة للاستفادة من نطاق هذا الحقل البحثيّ. ففي أفريقيا الفرنكوفونية ظهر للمغرب دور القيادة في مجال النشاطات المستقبلية إلى جانب بعض الدول الأفريقية الأخرى مثل كينيا وتنزانيا. كل من الهند وسريلانكا كوّنت فرق بحثية تعمل على الدراسات المستقبلية بشكل يتّسم بقدر كبير من الجدية. وبالطبع اليابان التي لحقت بركب الدول المتقدمة كان لها باع طويل في مجال الدراسات المستقبلية والتخطيط الطويل المدى.
أما بالنسبة إلى أميركا اللاتينية فعملت عدد من الدول بها على التوسّع في مجال الدراسات المستقبلية مثل المكسيك وفنزويلّا والبرازيل. وإن كان وصول المفهوم لهذه الدول لا يعني قطعاً وصول العلم ذاته وتداوله واستخدامه.
الاتجاهات الفلسفية للدراسات المستقبلية
بعد هذا الوصف المختصر لماضي وحاضر الدراسات المستقبلية، أصبح من الهامّ تحليل الاتجاهات الفلسفية التي اتبعها العديد من الباحثين والفرق البحثية في هذا الحقل، مع العلم أن هذه الفرضيات الفلسفية لا تطبق دائماً عن وعي وإدراك بوجوب تطبيقها.
في المدرسة الفرنسية، انصب دائماً الاهتمام الأولي على “البدائل المستقبلية” فلا وجود لمستقبل واحد بل عدد من البدائل يمكن أن تتحقق في المستقبل، معتمداً على الاختيارات التي يصنعها الأفراد. فكما وصفها مايكل جودت، فإن “اقتراب المستقبل المحتمَل يعكس الوعي بالمستقبل والذي هو حاسم لكن له ضريبة، فيه قدر من المعاناة الإيجابية ولكنه معتمد على الإرادة البشرية”.
سفي هولندا تبنّى فريد بولك اقتراحاً يعتمد على صور المستقبل المتعلقة بالمواقف التاريخية، المعتقدات، والرغبات. لفهم المستقبل، يرى بولك أنه يجب اختبار بنيان المستقبل في عقول الأفراد. باحثو الدراسات المستقبلية الآخرون توجهوا أكثر ناحية البحث في الاتجاهات التي ستقود اختيار السياسات. وهو كذلك الاتجاه الذي تبنته الدراسات المستقبلية في الدول الاسكندنافية “التطبيق العمليّ”.
في بريطانيا؛ برغم تعدد الاتجاهات ولكنها بشكل عام ذهبت في اتجاه إدراك العالم ككل. مع الأخذ في الاعتبار العلاقات بين الأفراد، بين الفرد ومجتمعه، وبين المجتمعات مع بعضها البعض. باحثو الدراسات المستقبلية في بريطانيا اهتمّوا بالتحديد بتأثير التكنولوجيا الحديثة على المجتمعات. وكذلك تضمّنت أعمال IISA في النمسا هذا الاهتمام بالتحديد كمحاولة لخلق علاقة بينه وبين مواضيع محددة ذات أهمية جوهرية للنظام العالمي ككل كموضوع الطاقة. ومن المهم أن نلاحظ أنه تقريباً كل المقاربات المستخدمة في الدراسات المستقبلية – في الماضي أو حتى في يومنا هذا – تستقي أفكارها من مفاهيم الفلسفة الغربية بخاصة أفكار بعض الفلاسفة أمثال جون لوك وإيمانويل كانط وفريدريك هيغل وغيرهم.
مهام الدراسات المستقبلية
تحقق الدراسات المستقبلية ما أشرنا إليه من أغراض من خلال إنجاز عدد من المهام المحددة. وقد يكون من المناسب أن نبدأ بالتعريف الذي قدمه أحد أعلام الدراسات المستقبلية “ويندل بيل” للمهام التي ينشغل بها حقل الدراسات المستقبلية، وهي: “اكتشاف أو ابتكار، وفحص وتقييم، واقتراح مستقبلات ممكنة أو محتمَلة أو مفضَّلة”. وبشكل أكثر تحديدًا، يذكر “بيل” تسع مهامّ محدّدة للدراسات المستقبلية، وهي:
1- إعمال الفكر والخيال في دراسة مستقبلات ممكنة، أي بغض النظر عما إذا كان احتمال وقوعها كبيرًا أو صغيرًا؛ وهو ما يؤدّي إلى توسيع نطاق الخيارات البشرية.
2- دراسة مستقبلات محتملة، أي التركيز على فحص وتقييم المستقبلات الأكبر احتمالًا للحدوث خلال أفق زمنيّ معلوم، وفق شروط محدّدة (مثلًا بافتراض استمرار التوجهات الحالية للنظام الاجتماعيّ-السياسيّ، أو بافتراض تغييره على نحو آخر). وغالبًا ما تسفر هذه الدراسة عن سيناريوهات متعدّدة.
3- دراسة صور المستقبل أي البحث في طبيعة الأوضاع المستقبلية المتخيَّلة وتحليل محتواها، ودراسة أسبابها وتقييم نتائجها. وذلك باعتبار تصورات الناس حول المستقبل تؤثِّر في ما يتخذونه من قرارات في الوقت الحاضر، سواء من أجل التكيّف مع تلك التصورات عندما تقع، أو من أجل تحويل هذه التصورات إلى واقع.
4- دراسة الأسس المعرفية للدراسات المستقبلية، أي تقديم أساس فلسفي للمعرفة التي تنتجها الدراسات المستقبلية، والاجتهاد في تطوير مناهج وأدوات البحث في المستقبل.
5- دراسة الأسس الأخلاقية للدراسات المستقبلية. وهذا أمر متصل بالجانب الاستهدافي للدراسات المستقبلية، ألا وهو استطلاع المستقبل أو المستقبلات المرغوب فيها. إذ إن تحديد ما هو مرغوب فيه يستند بالضرورة إلى أفكار الناس عن “معنى الحياة” وعن “المجتمع الجيد”، وعن “العدل” وغير ذلك من المفاهيم الأخلاقية والقيم الإنسانية.
6- تفسير الماضي وتوجيه الحاضر. فالماضي له تأثير على الحاضر وعلى المستقبل، والكثير من الأمور تتوقف على كيفية قراءة وإعادة قراءة الماضي. كما أن النسبة الكبرى من دارسي المستقبل يعتبرون أنَّ أحد أغراضهم الأساسية هو تغيير الحاضر وما يتخَذ فيه من قرارات وتصرفات لها تأثيرها على تشكيل المستقبل.
7- إحداث التكامل بين المعارف المتنوعة والقيم المختلفة من أجل حسن تصميم الفعل الاجتماعي ذلك أن معظم المعارف التي يستخدمها دارسو المستقبل من أجل التوصية بقرار أو تصرف ما هي إلا معارف تنتمي إلى علوم ومجالات بحث متعدّدة لها خبراؤها والمتخصصون فيها. ولذلك يطلق على الدراسات المستقبلية وصف الدراسات التكاملية أو الدراسات العابرة للتخصصات. ولما كانت التوصية بفعل اجتماعي ما لا تقوم على المعارف العلمية وحدها، برغم أهميتها، بل يلزم أن تستدعي قيمًا أو معاييرَ أخلاقية معنية، فإن على الدراسة المستقبلية أن تزاوج بين المعرفة العلمية والقيم.
8- زيادة المشاركة الديمقراطية في تصور وتصميم المستقبل، أو دمقرطة التفكير المستقبلي والتصرفات ذات التوجهات المستقبلية، وإفساح المجال لعموم الناس للاشتراك في اقتراح وتقييم الصور البديلة للمستقبل الذي سيؤثر في حياتهم وحياة خلفهم.
9- تبنّي صورة مستقبلية مفضَّلة والترويج لها، وذلك باعتبار ذلك خطوة ضرورية نحو تحويل هذه الصورة المستقبلية إلى واقع. ويتصل بذلك تبنّي أفعال اجتماعية معينة من أجل قطع الطريق على الصور المستقبلية غير المرغوب فيها، والحيلولة دون وقوعها.
نماذج الدراسات المستقبلية
أبرز نماذج الدراسات المستقبلية هي:
النموذج الأول هو “النموذج الوصفي”، ويعود هذا النموذج إلى محاولة عرض توقعات مستقبلية عالية الاحتمالية تعتمد على ملاحظة تطور الأحداث التاريخية. هنا الاتجاه نحو المستقبل يتّسم بالثبات وبقدر عالٍ من التفاؤل بالقدرة على التنبّؤ؛ حيث أن المستقبل هنا يُعدّ شيئاً من السهل قراءته. الهدف البحثي وفقاً لهذا النموذج ثابت وغير مضطرب، معتمد على منهجية كمية في الأساس، تقيس فترة زمنية قصيرة.
النموذج الثاني هو “نموذج السيناريو” ويسعى هذا النموج لعرض السيناريوهات المختلفة للمستقبل. وهنا قيمة السيناريو لا تعتمد على قدرته على التنبّؤ بشيء ما بقدر استطاعته على المساعدة في اتخاذ قرار معيّن؛ يضع يديه على ما هو متاح ومن ثم يكتشف مدى التطور الممكن.
النموذج الثالث هو “نموذج أبحاث المستقبليات التطورية”. ويحاول هذا النموذج وصف وفهم المستقبل بأبعاده المختلفة بشكل أكثر دقة في ظل هذا العالَم المضطرب. وهو في ذلك يعتمد على قوانين تطورية؛ فيركز بشكل كبير على الاكتشافات التي تنتجها الأبحاث المعقدة وعلى التطور المعرفي بشكل عام.
بجانب هذه النماذج، وضع مانيرما مقاربتين كبيرَتين للأبحاث المستقبلية. الأولى ذات توجهات تكنوقراطية تستمدّ جذورها من النظريات الحربية والنكنولوجية وغيرها، والثانية توجهاتها إنسانية في الأساس وتستمد جذورها مع انطلاق علم المستقبل.
مما لا شك فيه أن العروض التي قدمها مانيرما مثلّت ردًّا وجيهًا ذا قيمة عالية للجدل الدائر حول توجهات الأبحاث المعنية بالمستقبل. وإن كان النوذج الثالث لم يلقَ الرواج الذي توقعه له مانيرما في الممارسات البحثية لعلم المستقبل.
فمع انقضاء الثمانينيات وفي أوائل التسعينيات قلّت شعبية التطورية في المنهجية والفلسفة المستقبلية عمّا قبل.
وقد تنبّأ بذلك ماسيني العامَ 1989م، واضعًا بعض التوقعات التي تنذر بعدم استفادة الحقل البحثي في الفترة المقبلة من الفكر التطوري. فقد رأى ماسيني أن الأبحاث المستقبلية سوف تلتصق بالمنهجيات القائمة، وأعمال التطور المنهجي غالباً ما ستأتي بالقليل؛ ومن ثم فإن فرصة ظهور نماذج منهجية تتسم بالعالمية سوف تتضاءل، في الوقت الذي سوف يزداد فيه استخدام السيناريوهات إلى جانب أعمال التخطيط الاستراتيجيّ التي سوف تستخدم في كل من القطاعات العامة والخاصة.
كما تنبّأ باتساع استخدام نموذج “دِلفي” في العديد من الحقول.
ويمكننا القول إن تقديرات ماسيني لتطوّر الأبحاث المستقبلية تمتّعت بقدر عالٍ من الصواب. أما بالنسبة إلى الأسباب التي قلّصت من دور الأبحاث المستقبلية ذات الصفة التطورية، والتي جعلتها لا تمثل تيارًا رئيسًا كما كان متوقعًا لها أو حتّى نموذجاً حقيقيً قائماً بذاته؛ فقد اختصرها كوسا في أنَّ “تبنّي مقاربة تطوّرية لأبحاث المستقبليات صعب ومستهلِك للوقت، وهو في النهاية يتحدى المبادئ القائمة عليها فكرة التوقع في الأساس، كما أن إقامة أدوات منهجية جديدة تتطلب تمويلًا وهو الأمر غير المتوفِّر لعلمٍ حديث. وفي النهاية، فإن داعمي أبحاث المستقبليات التطورية في الثمانينيات والتسعينيات لم يكن لديهم القدرة الكافية على تطوير نماذج منهجية باستطاعتها الربط بين الاكتشافات التي تقدمها الأبحاث المعقدة والأبحاث المستقبلية.
بالرجوع إلى الحديث عن النماذج المنهجية، فإن أحد أهمّ من قدّم نماذج لدراسة المستقبل هي هيدج والتي اقترحت نموذجَين متنافسَين لدراسة المستقبل، ويأتي التنافس نتيجة لاختلاف المعايير التي وضعتها لهما. فإحداهما قائم على الدور البشريّ كموضوع قائم بذاته، والآخر قائم في منهجيته على تفسير الاختلافات.
النموذج الأول لـهيدج هو “أبحاث المستقبليات التطورية”، وتعكس فيه صدى أعمال آخرين أمثال مانيرما ولازسكو وغيرهم، ومبررها في ذلك أن الأبحاث المستقبلية الحالية غير مرضية نبيجة لبساطة موضوعها، كما أن نظرياتها طبقت منهجيات غير كافية لاكتشاف حقيقة التغييرات المستمرة وظروفها المستقبلية.
أما النوذج الثاني فهو “أبحاث المستقبليات الحرجة” الذي ترى فيه أن المستقبل يمكن تفسيره ليس من خلال شيء ما خفي عن الأنظار، يستمد ماديته بمرور الوقت وتعاقب الأزمان، فحسبُ، ولكن بواسطة ما هو قائم بالفعل في حاضر أفكار الأشخاص ومشاعرهم.
وبالتالي؛ فوفقًا لنموذج أبحاث المستقبليات الحرجة؛ فإن المستقبل له تأثيره على الحاضر النابع من كونه جزءًا عضوياً من قواعد الحياة، يتمثل هذا التأثير في القدرة على استحضار التوقعات، والأهداف والخطط، وهو بذلك ليس شكلًا مميزًا من التفسير الإدراكيّ فحسب، وإنما هو سلوك عاطفي كذلك(تفاؤل – تشاؤم، أمل، خوف). ففي المستوى الحالي للتطور البشري لا يمكن النظر إلى المستقبل دون أن نأخذ في اعتبارنا الكيان البشري بكل ما هو عليه. الأكثر من ذلك أن هيدج ترى في هذا النموذج قدرة في النظر إلى ما هو خلف الظواهر العالَمية العميقة نتيجة اعتماديته على العديد من الاقترابات المنهجية التي تساعده على كشف ما وراء الأمور.
ورغم اتساق الأطروحة التي قدمتها هيدج، إلا أن القول بتنافس النموذجَين قد يمثل اتهام مشكلي من وجهة نظر البعض؛ ناتج عن استخدام مصطلح “نموذج”؛ فتوماس كوهين وضع المعنى المعاصر لمصطلح “نموذج” في كتابه “هيكل الثورة العلمية” معرِّفًا إياه بأنه مجموعة الممارسات التي تعرف الانضباط العلميّ خلال فترة زمنية محددة. بطريقة أخرى، يمكن أن يكون هناك نموذج واحد فقط سائد في النطاق العلميّ لا مجموعة نماذج متنافسة. وفي هذه الحالة يكون من الأدقّ أن نتحدّث – على سبيل المثال – عن مقاربات متنافسة تقدّم تحليلات على المستوى الكلّيّ بدلًا من نماذج.
طريقة أخرى لتنظيم منهجيات الأبحاث المستقبلية اقترحها ميكا ألْتونين من جامعة هيلسينكي الدنماركية حيث يرى أن بعض المناهج تستخدَم أكثر لفهم النظام والتحكم به. منهجيات الفهم هذه تتنوع بين الوقوف خارج النظام إلى المشاركة في النظام عينه. كما أن هذه المناهج المستخدَمة للتحكّم في النظام تتنوَّع بين محاولة إزالة الغموض إلى السماح بالغموض والتكيّف معه.
باستخدام هذه الفوارق، صنع ميكا ألْتونين نموذجًا مكوَّنًا من أربعة خلايا: اثنان هما المقاربات الهندسية وتفكير الأنظمة لهما تاريخ طويل، مستخدمَينِ بشكل واسع عالميًّا وحاليًّا، مهيمِنَين على الإدارة الاستراتيجية للتفكير والممارسات.
الإثنان الآخران وهما التعقيد الرياضي والتعقيد الاجتماعيّ، لم يتسخدَما حتى الآن بشكل كبير، وهما يعرضان كلًّا من وجهتَي نظر التناقض والتكامل في كيفية ظهور المستقبل.
قد يختلف البعض مع وضعية بعض المنهجيات في النموذج الذي قدّمه ألْتونِين، ولكن بشكل عام فإن هذا التحليل يوضح أن أكثر المنهجيات المستخدَمة في الأبحاث المستقبلية صمِّمَت لإزالة الغموض بدلًا من السماح به، كما ركزت على الوصول إلى أكبر قدر من المعرفة في عملية صناعة القرار.
الكثير من المناهج كذلك تستخدم خارج النظام من أجل جلب المعلومات إلى داخل النظام. بعض الأنواع الأخرى من المنهجيات التي تستخدَم بشكل متكرر تسعى لخلق وعي بالمستقبل المحتمَل. مفهوم السببية – بمعنى كيف تحدث الأشياء – يتضمّن في وجود فاعل مسؤول عن إيجاد المسبِّبات، وقادر على تصميم اختراقات من شأنها أن تقود إلى مستقبل مرجوّ.
ذهب ألْتونِين إلى حدّ القول إن هناك منهجيات تعتمد على – حتّى وإن كانت بشكل ضمنيّ – افتراضات عرضية مختلفة حول كيفية حدوث الأشياء. المناهج التي تقع في النصف الأعلى من النموذج تتشاركُ قناعةَ أنَّ الأشياء تحدث من خلال التفاعل المحلّيّ للعوامل المختلفة. الحركة نحو المستقبل هنا تعتمد على الفاعلِين الآخرين، الحركات التكيّفية لفاعل واحد فقط تؤثر على استراتيجيات الفاعلينَ الآخرينَ بخلق قيود واحتمالات جديدة.
شكل آخر لتنظيم العمل المنهجي في الدراسات المستقبلية استعان به باحثو حقل المستقبليات هو التفريق بين شكلينِ من أشكال التنبّؤ: التنبؤ المعياري والتنبؤ الاستكشافي. الأعمال المعيارية تستند إلى معايـير وقيم ما لإتمام أعمالها ونشاطاتها البحثية. بالتالي، التنبؤ المعياري يعالج السؤال: هل المستقبل يحقق ما نريده؟ ما الذي نريده أن يحدث؟ بينما التنبؤ الاستكشافي يتنبّأ بالممكِن بغض النظر عمّا الذي نريده؟ هذا التقسيم العامّ لأعمال المستقبليات بين معيارِيّ واستكشافيّ قد يكون مضلِّلًا عند تطبيقه منهجيًّا. فالعديد من التقنيات يمكن استخدامها لكل من التنبؤ المعياريّ والاستكشافيّ.
“ماهية الدراسات المستقبلية” هي دراسة للباحثة أمينة الجميل نشرت ضمن سلسة دراسات “أوراق”
الصادرة عن مكتبة الإسكندرية العدد رقم 5 عام 2012.