انخفاض أدائنا من انخفاض استشراف مستقبلنا …..
إن استشراف المستقبل ازلي مرتبط بثقافة الوجود البشري ابتداءً من التنجيم والسحر والخرافات، وقد حاول عبر التاريخ بعض العلماء والمفكرون استشراف المستقبل من خلال رؤى وتصورات مبنية على اعتبارات منطقية واستنتاجات تحليلية تولدت لديهم، ومنذ الحرب العالمية الثانية أصبح العالم يتغير بوتيرة متسارعة تشمل كافة أوجه الحياة، ووضع المفكرين والقيادات الإدارية والعسكرية والعلماء بمرحلة أكثر جدية حول كيف نستشرف المستقبل؟ وكيف نخطط له؟
ومع تطور الفكر البشري تطور مفهوم المستقبل وأصبحنا نرى فيه بعداً زمنياً يمكن التحكم في صورته، ومنهم من اعتبره فناً وليس علماً، كما قال بريغوجين (Prigogine) “لا نستطيع التكهن بالمستقبل، ولكننا نستطع صناعته”، ويؤكد براتراند دي جوفنال (Bertrand Jouvenal) في كتابه فن التكهن (1967) إن الدراسة العلمية للمستقبل “فن” من الفنون ولا يمكن أن تكون علماً، كما يرى فريد بولاك، في كتابه “تصورات المستقبل”، “ان المستقبل مجهول، فكيف نرسي عِلماً على المجهول، ونسميه “علم المستقبل”.
وقد تطور الاهتمام بالمستقبل ليصبح فناً وعلماً، والجانب الأخر لمفهوم المستقبل هو علم المستقبليات أو الدراسات المستقبلية وهو علم يختص بالمحتمل والممكن والمفضل من المستقبل، فعلم المستقبل يقدم الدراسات المستقبلية لأمور شاملة ومتعددة ولكل فرع من فروع العلم، الاقتصاد، التجارة، الزراعة، المياه، البيئة، وغيرها ويتم تحويلها إلى استراتيجية واحدة لخدمة المنظمات والمجتمعات، وقد حاول انشتاين تبرير اهتمامه بالمستقبل بكلمات قليلة لكنها موحية، عندما سُئل : “لماذا اهتمامك بالمستقبل؟ فأجاب: لأنني ذاهب إلى هناك”.
1. ما هو استشراف المستقبل:
• المعنى اللغوي للاستشراف يحمل في مضمونه معاني النظر إلى الشيء البعيد، ومحاولة التعرف عليه، واتخاذ السبل التي توصل إلى ذلك بدقة كالصعود إلى مكان مرتفع يتيح فرصة أكبر للاستطلاع.
• أما اصطلاحاً، فإن الاستشراف عبارة عن: اجتهاد علمي منظم، يرمى إلى صياغة مجموعة من التنبؤات المشروطة التي تشمل المعالم الأساسية لأوضاع مجتمع ما، أو مجموعة من المجتمعات، عبر مدة زمنية معينة، وذلك عن طريق التركيز على المتغيرات التي يمكن تغييرها بواسطة إصدار القرارات.
• يعرف الاستشراف، “بأنه جهد علمي منظم، يرمى إلى صياغة مجموعة من التنبؤات المشروطة، التي تشمل المعالم الرئيسة لأوضاع مجتمع معين أو مجموعة من المجتمعات، عبر مدة زمنية معينة، تمتد لأكثر من عشرين عاماً، وذلك عن طريق التركيز على المتغيرات التي يمكن تغييرها بواسطة القرارات، أو التي قد تتغير بفعل أحداث غير مؤكدة” (المفتي: 2012).
• كما عرفه (فيله وأخرون، 2003، 17) “بأنه جهد علمي منظم، يرمى إلى صياغة مجموعة من التنبؤات المشروطة، التي تشمل المعالم الرئيسة لأوضاع مجتمع معين أو مجموعة من المجتمعات، عبر مدة زمنية معينة، تمتد لأكثر من عشرين عاما، وذلك عن طريق التركيز على المتغيرات التي يمكن تغييرها بواسطة القرارات، أو التي قد تتغير بفعل أحداث غير مؤكدة”.
2. ما أهمية استشراف المستقبل:
تعتبر عملية الاستشراف في عمل الإدارة والمنظمات ذات أهمية متنامية بسبب ظروف العولمة والمنافسة الشديدة لرفع كفاءة الإنتاجية وتحسين نوعيتها حتى تكون قادرة على مواجهة المنافسة، ومن جانب آخر إن هذا النوع من الدراسات يمنح القدرة على التطور والنهوض والتقدم من خلال استغلال الموارد بالشكل الأمثل اعتماداً على طرق منهجية تبدأ بدارسة الماضي مروراً بالحاضر، وربطهما بالمستقبل الذي يكون هدفا أساسيا في عملية الاستشراف.
كما تشكل أهمية لقيادة التخطيط بتزويد القائمين على عملية الاستشراف بالبدائل والاختيار الأنسب، ومواكبة المتغيرات والبقاء كلاعب حقيقي في الملعب من خلال التغيرات السريعة بالتكنولوجيا الشاملة والاستعداد لما هو آتٍ باستخدام المعرفة المتراكمة والتجربة.
3. هل استشراف المستقبل ضرورة أم ترف استراتيجي للمنظمات؟
ان استشراف المستقبل هو هدف استراتيجي لحاضر ومستقبل أي منظمة ترغب بأن يكون لها وجود متميز في عصر العولمة واقتصاديات السوق، والثورة الهائلة في التكنولوجيا، وخاصة إذا أرست قواعد الاستشراف ودمجته بأسس الابتكار في بناء خططها فسوف تصبح قوة فوق التميز تستشرف المستقبل باستدامة حاضرة مستقبلية ومستقبلية مستقبلية بما يخدم تحقيق أهدافها.
فالاستشراف ما هو الا المعرفة التامة باتجاهات المستقبل وتحديد البدائل واختيار الأفضل وتوجيه هذا الاختيار من خلال الخبرات وقراءة الماضي والحاضر، الذي يوفر للقائمين بعملية التخطيط جزء مهم من القاعدة المعرفية التي تتطلب لصياغة الاستراتيجيات ورسم الخطط.
وقد وضح (اليكس لافلاك) بأن (مستقبل الأفكار العظيمة: تعاون الفريق في العلوم الأساسية).
ونرى بأن استشراف المستقبل في كافة المجالات ضرورة استراتيجية ملحة للمنظمات، فعندما يغيب المستقبل عن عقول الموظفين ويُغيبه المسؤولون في ادارتهم للمنظمة يرتفع جدار الصمت والعزلة في المنظمات، ويرسم فاصل حقيقي مع بيئاتها الخارجية تمنع بذلك الفكر التطويري للعاملين بها والتطوير والتحديث لها.
4. الأسس المنهجية في استشراف المستقبل:
هناك مجموعة من الأسس المنهجية التي يجب أن تقوم عليها عملية استشراف المستقبل وهي:
• الشمول والنظرة الكلية للأمور ومدى تفاعلهما مع بعضهم البعض.
• مراعاة التعقيد والابتعاد عن التبسيط والنظر بأبعاد متنوعة ومن جوانب مختلفة.
• القراءة الجيدة للماضر والحاضر من خلال التجارب الذاتية وتجار ب الأخرين.
• المزيج بين الأساليب النوعية والكمية في العمل المستقبلي.
• الحيادية والموضوعية في اختيار البدائل والاعتماد على الخبرات المتراكمة.
• العمل التشاركي الإبداعي للفريق الذي هو أساس النجاح من خلال توحيد الأفكار والخبرات في بوتقة واحدة.
• التعلم الذاتي من عملية الدراسة والاستفادة من الجربة المطبقة بكل مرحلة من مراحل التنفيذ.
5. أساليب استشراف المستقبل:
هناك ثلاثة أساليب لتحليل الدراسات المستقبلية سنذكرها على الرغم من تطورها المستمر مع التغييرات التكنولوجية والمعرفية والتجارب والإبداع في تطبيق استشراف المستقبل وهي:
أ. الأساليب الكمية: وتتمثل باستخدام الأساليب الإحصائية، المسح، الاستفتاء، التنبؤ المورفولوجي، صياغة النماذج، التحليل التاريخي، الوسط الحسابي، السلاسل الزمنية، الكفاية النسبية، الانحراف المعياري، بيرت، دلفي، النماذج النسبية، الإسقاط بالقرنية، المحاكاة، نظرية الألعاب، الطرق التشاركية، تحليل الظواهر، اسلوب شجرة العلاقات، دولاب المستقبل، مصفوفة التأثير، المنحنى الجامح، الإسقاط والتنبؤ الاستقرائي.
ب. الأساليب النوعية: والتي تعتمد على المعرفة الضمنية للعاملين بالمنظمة من مخزون الخبرات والذكاء والتفكير والخيال والعصف الذهني).
ج. الأسلوب المتوازن بين النوع والكم من خلال الدمج بين المعارف والخبرات الضمنية بالأساليب الكمية.
وقد أشار معظم الباحثين إلى الأساليب الاكثر استخداماً في استشراف المستقبل فيما يتعلق بالأساليب النوعية هو اسلوب السيناريوهات واسلوب دلفي اللذان يجمعان بين الأسلوب الكمي والنوعي، وسوف يتم التعريف بهما بشكل منفصل بدراسات لاحقة.
كما أن استشراف المستقبل لا يهدف لإصلاح الحاضر، ولا تقليص أخطاؤه ولا يعيد تصحيح عثرات الماضي، إنما يركز على الصورة المثلى للمستقبل من خلال اكتشاف فرص تحسين في التخطيط الحاضر لتوجيه الدفة المستقبلية لإقتناصها واعتبارها نقطة قوة يستند عليها في صنع المستقبل من الحاضر، فالحاضر نقطة الانطلاقة الحقيقة لاستشراف المستقبل.
الطبول تُقرع، ودعوات المستقبل تتكرر لاكتشافه برحلات فكرية معرفية حكيمة، تحول أزمات الحاضر الى ميلاد جديد، وتحول المشكلات لفرص يتم اقتناصها لتحقيق ما فوق التميز، فلا يستطيع كل إنسان سماع نداء المستقبل الذي يؤمن باختراقه إلا بالفكر الابتكاري الهادف لركب التحدي المعقد.
وقد كانت دولة الإمارات العربية المتحدة السباقة في المنطقة بالاهتمام بهذا العلم لتصبح قبلة جاذبة للعالم بفضل تقدمها المتسارع في شتى الميادين، وتمثل ذلك بقرار سمو الشيخ محمد بن راشد نائب رئيس الدولة ورئيس مجلس الوزراء باستحداث وزارة خاصة لاستشراف المستقبل حيث يقول سموه: (المستقبل لا ينتظر المترددين). وكلنا ثقة في القيادة الحكيمة لدولة الإمارات في استشراف مستقبلها وأن تعيشه بأفكاره وثقافته، وأن تتجاوز الزمان ونستشرف بيئة المكان والزمان القادم، وتستحضر التاريخ وتجبله بتجارب الحاضر لتبرع أكثر في صناعة المستقبل ليبقى ضمن تجارب الحاضر، وأن تصبح ومؤسساتها المنتج للخطط والرؤى المستقبلية، والمرجع للعديد من مؤسسات وحكومات دول العالم في استشراف المستقبل.
فما أضيق الحاضر بدون نافذة مستدامة للمستقبل، يلتقي فيها الماضي بالحاضر مع المعرفة الموجه والمخزونة التي تشكل نبضات المستقبل وتحدد حلقاته ليصبح حاضراً.
استبصار، استشراف، تخطيط استراتيجي، تميز، جودة، إبداع، ابتكار، مسؤولية مجتمعية، تميز مؤسسي، معرفة، جودة التميز ، منظمات متعلمة.