التحول الرقمي وتحدي استشراف المستقبل
ليس من السهل أن نتحول من نشوة التعلق بالذكريات الجميلة والعصر الذهبي، ومن متعة اللحظة والحريق اليومي إلى التوقع والاستشراف وصناعة المستقبل.
إن المرحلة التي نعيشها اليوم في ظل ولادة دورة تاريخية قديمة وبداية دورة تاريخية جديدة عنوانها: الثورة الصناعية الرابعة والتحول الرقمي الذي أصبح لزاما اليوم التعامل معه واخذه بعين الاعتبار في جميع المؤسسات كيفما كان شكلها و حجمها أصبح لزاما أيضا استشراف المستقبل من أجل اغتنام الفرص الجديدة وتجنب التهديدات والمخاطر الجديدة.
إن وظيفة الخطة الاستراتيجية في المنظمة، كوظيفة غطاء عيون الحصان؛ يتم وضع هذا الغطاء على عيني الحصان لكي يركز نظره على الهدف فقط ولا يتشتت بصره. لكن أغطية عيون الحصان لا توضع لخيول السباق، وإنما توضع فقط للخيول التي تجر العربات؛ لأن خيول السباق تحتاج إلى الرؤية الواسعة، أما خيول العربات فتحتاج إلى التركيز.. هذا هو الفرق بين التخطيط الاستراتيجي والاستشراف الاستراتيجي.
إن الاستشراف الاستراتيجي يمكن تبسيطه واختزاله في أربع قواعد:
1- اُرْصُد العلامات الضعيفة.
2- مَيِّز في العلامات الضعيفة بذور التغيير.
3- راقب تطور بذور التغيير إلى محركات للتغيير.
4- احصر محركات التغيير الأكثر أهمية.
إن علاقتنا بالمستقبل يجب أن تتحول من علاقة عاطفية إلى علاقة متوازنة عاطفياً وفكرياً وعملياً، فالمستقبل لا نعشقه أو نكرهه أو نفرح به أو نخاف منه وإنما نقلق بصدده ونستشرفه ونصنعه. ولإحداث هذا التحول نحتاج أولا إلى ترسيخ مؤسسي لفكرة الاستشراف كوظيفة إدارية ضمن الوحدات الإدارية لدى المؤسسات كيفما كان شكلها و حجمها وهذا ما نفتقده بنسبة 99% في أغلب المؤسسات منها الحكومية و الخاصة والخيرية، …. وبالتالي يجب تحويل هذه الفكرة من مجرد مطلب ومن طابعها المجرد إلى وظيفة وعمليات وإجراءات ومنهجيات وأدوات واستعدادات ومهارات. بالإضافة الى ذلك أصبح اليوم خلق وحدة إدارية تعنى بالتحول الرقمي واستدماجه ضمن العمليات الإدارية مسألة حيوية وحتمية باعتبار أن نظم المعلومات لم تعد مجرد عربة وظيفية مثل باقي الوظائف بل أصبحت قاطرة لكل الوظائف والعمليات. ضف إلى ذلك أن العالم يسير بسرعة جنونية تدخل حسب ماسماه الدكتور إدريس أوهلال بـ: “ديكتاتورية المستعجلات”، وبالتالي أصبح اليوم اليوم في خلق وحدة تعنى بإدارة التغيير وتنزيلها من طابعها المجرد الى الطابع العملي من خلال تكوين أفراد في إدارة التغيير قادرين على مواجهة الأزمات المفاجئة والتعامل معاها بذكاء ومرونة.
إن المستقبل تُغَيِّره ثلاثة أشياء: المشاعر، والأفكار، والمصالح. لذلك نحتاج إلى تربية عاطفية مستقبلية لنتعلم كيف نقلق بصدد المستقبل، وإلى تربية فكرية مستقبلية لنتعلم كيف نتوقع المستقبل، وإلى تربية عملية مستقبلية لنتعلم كيف نصنع المستقبل. في كلمة واحدة نحتاج إلى الاستشراف، لأن الاستشراف هو أن تقلق حول المستقبل وتتوقعه وتصنعه.
أمين سامي
المراجع:
١. كتاب الانفجار العظيم: عصر النهايات للدكتور إدريس أوهلال.
٢. مقال رأي حول: تحدي استشراف المستقبل للدكتور إدريس أوهلال.
٣. مقال رأي حول: تكنولوجيات القطيعة: المستقبل الغامض للكاتب أمين سامي